كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل لعل ذلك اكتفاءً بذكر {أَنَاْ} مرة في هذه القصة، وقال بعض الأجلة: إنه للإشارة إلى أن قصة إبراهيم عليه السلام لم تتم فإن ما بعد من قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق} [الصافات 112] الخ من تكملة ما يتعلق به عليه السلام بخلاف سائر القصص التي جعل {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} [الصافات 80، 105] مقطعًا لها فإن ما بعد ليس مما يتعلق بما قبل ومع هذا لم تخل القصة من مثل تلك الجملة بجميع كلماتها وسلك فيها هذا المسلك اعتناءً بها فتأمل.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} الكلام فيه كما تقدم.
{وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا} حال من إسحاق، وكذا قوله تعالى: {مّنَ الصالحين} وفي ذلك تعظيم شأن الصلاح، وفي تأخيره إيماءً إلى أنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل، والمقصود منهما الإتيان بالأفعال الحسنة السديدة وهو في الاستعمال يختص بها.
وجوز كون {مّنَ الصالحين} حالًا وكون {نَبِيًّا} حالًا من الضمير المستتر فيه، وقدم في اللفظ للاهتمام ولئلا تختل رؤوس الآي وفيه من البعد ما فيه، على أن في جواز تقديم الحال مطلقًا أو إطراده في مثل هذا التركيب كلامًا لا يخفى على من راجع الألفية وشروحها وفيه ما فيه بعد، وجوز أيضًا كونه في موضع الصفة لنبيًا والكلام على الأول وهو الذي عليه الجمهور أمدح كما لا يخفى، والمراد كونه نبيًا وكونه من الصالحين في قضاء الله تعالى وتقديره أي مقضيًا كونه نبيًا مقضيًا كونه من الصالحين وإن شئت فقل مقدرًا ولا يكونان بذلك من الحال المقدرة التي تذكر في مقابلة المقارنة بل هما بهذا الاعتبار حالان مقارنان للعامل وهو فعل البشارة أو شيء آخر محذوف أي بشرناه بوجود إسحاق نبيًا الخ، وأوجب غير واحد تقدير ذلك معللًا بأن البشارة لا تتعلق بالأعيان بل بالمعاني.
وتعقب بأنه إن أريد أنها لا تستعمل إلا متعلقة بالأعيان فالواقع خلافه ك {بشر أحدهم بالأنثى} [النحل: 58] فإن قيل إنما يصح بتقدير ولادة ونحوه من المعاني فهو محل النزاع فلا وجه له، والذي يميل إليه القلب أن المعنى على إرادة ذلك، وربما يدعى أن معنى البشارة تستدعي تقدير معنى من المعاني، وقيل هما حالان مقدران كقوله تعالى: {ادخلوها خالدين} [الزمر: 73] وفيه بحث.
{وباركنا عَلَيْهِ} أي على إبراهيم عليه السلام {وعلى إسحاق} أي أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا بأن كثرنا نسلهما وجعلنا منهم أنبياء ورسلًا.
وقرىء {بركنا} بالتشديد للمبالغة {إسحاق وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} في عمله أو على نفسه بالإيمان والطاعة.
{وظالم لّنَفْسِهِ} بالكفر والمعاصي ويدخل فيها ظلم الغير {مُّبِينٌ} ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في الأعقاب لا يعود على الأصول بنقيصة وعيب، هذا وفي الآيات بعد أبحاث {الأول} أنهم اختلفوا في الذبيح فقال على ما ذكره الجلال السيوطي في رسالته القول الفصيح في تعيين الذبيح علي.
وابن عمر، وأبو هريرة.
وأبو الطفيل.
وسعيد بن جبير.
ومجاهد.
والشعبي.
ويوسف بن مهران.
والحسن البصري.
ومحمد بن كعب القرظي.
وسعيد بن المسيب.
وأبو جعفر الباقر.
وأبو صالح.
والربيع بن أنس.
والكلبي.
وأبو عمرو بن العلاء.
وأحمد بن حنبل وغيرهم أنه إسماعيل عليه السلام لا إسحاق عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ورجحه جماعة خصوصًا غالب المحدثين وقال أبو حاتم: هو الصحيح، وفي الهدى أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وسئل أبو سعيد الضرير عن ذلك فأنشد:
إن الذبيح هديت إسماعيل ** نص الكتاب بذاك والتنزيل

شرف به خص الإله نبينا ** وأتى به التفسير والتأويل

إن كنت أمته فلا تنكر له ** شرفًا به قد خصه التفضيل

وفي دعواه النص نظر وهو المشهور عند العرب قبل البعثة أيضًا كما يشعر به أبيات نقلها الثعالبي في تفسير عن أمية بن أبي الصلت واستدل له بأنه الذي وهب لإبراهيم عليه السلام أثر الهجرة وبان البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام، والظاهر التغاير فيتعين كونه إسماعيل وبأنه بشر بأن يوجد وينبأ فلا يجوز ابتلاء إبراهيم عليه السلام بذبحه لأنه علم أن شرط وقوعه منتف، والجواب بأن الأول بشارة بالوجود وهذا بشارة بالنبوة ولكن بعد الذبح قال صاحب الكشف ضعيف لأن نظم الآية لا يدل على أن البشارة بنبوته بل على أن البشارة بأمر مقيد بالنبوة فإما أن يقدر بوجود إسحاق بعد الذبح ولا دلالة في اللفظ عليه وإما أن يقدر الوجود مطلقًا وهو المطلوب، فإن قلت: يكفي الدلالة تقدم البشارة بالوجود أولًا قلت: ذاك عليك لا لك ومن يسلم أن المتقدم بشارة بإسحاق حتى يستتب لك المرام وبأن البشارة به وقعت مقرونة بولادة يعقوب منه على ما هو الظاهر في قوله تعالى في هود: {فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} [هود: 71] ومتى بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصور الأمر بذبح الولد مراهقًا قبل ولادة ولده، ومنع كونه إذ ذاك مراهقًا لجواز أن يكون بالغًا كما ذهب إليه اليهود قد ولد له يعقوب وغيره مكابرة لا يلتفت إليها وبأنه تعالى وصف إسماعيل عليه السلام بالصبر في قوله سبحانه: {وإسماعيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الكفل كُلٌّ مّنَ الصابرين} [الأنبياء: 85] وبأنه عز وجل وصفه بصدق الوعد في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} [مريم: 54] ولم يصف سبحانه إسحاق بشيء منهما فهو الأنسب دونه بأن يقول القائل: {قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} [الصافات 102] المصدق قوله بفعله وبأن ما وقع كان بمكة وإسماعيل هو الذي كان فيها وبأن قرني الكبش كانا معلقين في الكعبة حتى احترقا معها أيام حصار الحجاج بن الزبير رضي الله تعالى عنه وكانا قد توارثهما قريش خلفًا عن سلف، والظاهر أن ذاك لم يكن منهم إلا للفخر ولا يتم لهم إذا كان الكبش فدى لإسحاق دون أبيهم إسماعيل، وبأنه روى الحاكم في المستدرك وابن جرير في تفسيره والأموي في مغازيه والخلعي في فوائده من طريق إسماعيل بن أبي كريمة عن عمر بن أبي محمد الخطابي عن العتبي عن أبيه عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال بعض القوم: إسماعيل وقال بعضهم: بل إسحاق فقال معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابسًا والماء عابسًا هلك العيال وضاع المال فعد على مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله تعالى إن سهل أمرها أن ينحر بعض بنيه فلما فرغ أسهم بينهم فكانوا عشرة فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك ففداه بمائة ناقة قال معاوية: هذا واحد والآخر إسماعيل وبأنه ذكر في التوراة أن الله تعالى امتحن إبراهيم فقال له: يا إبراهيم فقال: لبيك قال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قربانا على أحد الجبال الذي أعرفك به فإن معنى وحيدك الذي ليس لك وغيره لا يصدق ذلك على إسحاق حين الأمر بالذبح لأن إسماعيل كان موجودًا إذ ذاك لأنه ولد لإبراهيم على ما في التوراة وهو ابن ست وثمانين سنة وولد إسحاق على ما فيها أيضًا وهو ابن مائة سنة، وأيضًا قوله تعالى الذي تحبه أليق بإسماعيل لأن أول ولد له من المحبة في الأغلبة ما ليس لمن بعده من الأولاد، ويعلم مما ذكر أن ما في التوراة الموجودة بأيدي اليهود اليوم من ذكر هو إسحاق بعد الذي تحبه من زياداتهم وأباطيلهم التي أدرجوها في كلام الله تعالى إذ لا يكاد يلتئم مع ما قبله، وأجاب بعض اليهود عن ذلك بأن إطلاق الوحيد على إسحاق لأن إسماعيل كان إذ ذاك بمكة وهو تحريف وتأويل باطل لأنه لا يقال الوحيد وصفًا للابن إلا إذا كان واحدًا في البنوة ولم يكن له شريك فيها، وقال لي بعض منهم: إن إطلاق ذلك عليه لأنه كان واحدًا لأمه ولم يكن لها ابن غيره فقلت: يبعد ذلك كل التبعيد إضافته إلى ضمير إبراهيم عليه السلام، ويؤيد ما قلنا ما قاله ابن إسحاق ذكر محمد بن كعب أن عمر بن عبد العزيز أرسل إلى رجل كان يهوديًا فأسلم وحسن إسلامه وكان من علمائهم فسأله أي ابن إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال إسماعيل: والله يا أمير المؤمنين وأن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب، وذكر ابن كثير أن في بعض نسخ التوراة بكرك بدل وحيدك وهو أظهر في المطلوب، وقيل: هو إسحاق ونسبه القرطبي للأكثرين وعزاه البغوي. وغيره إلى عمر. وعلي. وابن مسعود. والعباس. وعكرمة. وسعيد بن جبير. ومجاهد. والشعبي. وعبيد بن عمير. وأبي ميسرة. وزيد بن أسلم. وعبد الله بن شقيق. والزهري. والقاسم بن يزيد. ومكحول. وكعب. وعثمان بن حاضر. والسدي. والحسن. وقتادة. وأبي الهذيل. وابن سابط. ومسروق. وعطاء. ومقاتل وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس واختاره أبو جعفر بن جرير الطبري وجزم به القاضي عياض في الشفاء.
والسهيلي في التعريف والأعلام واستدل له بأنه لم يذكر الله تعالى أنه بشر بإسماعيل قبل كونه فهو إسحاق لثبوته بالنص ولأنه لم تكن تحته هاجر أم إسماعيل فالمدعو ولد من سارة، وأجيب بأنه كفى هذه الآية دليلًا على أنه مبشر به أيضًا لأن قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق} [الصافات 112] بعد استيفاء هذه القصة وتذييلها بما ذيل ظاهر الدلالة على أن هنالك بشارتين متغايرتين ثم عدم الذكر لا يدل على عدم الوجود ولا يلزم أن يكون طلب ولد من سارة ولا علم أنه عليه السلام دعا بذلك قبل أن وهبت هاجر منه لأنها أهديت إليه في حران قبل الوصول إلى الشام على أن البشارة بإسحاق كانت في الشام نصًا فظاهر هذه الآية أنها قبل الوصول إليها لأن البشارة عقيب الدعاء وكان قبل الوصول إلى الشام قاله في الكشف.
وبما رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زيد بن حباب عن الحسن بن دينار عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذبيح إسحاق» وتعقب بأن الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر الحديث، وبما أخرج الديلمي في مسند الفردوس من طريق عبد الله بن ناجية عن محمد بن حرب النسائي عن عبد المؤمن بن عباد عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن داود سأل ربه مسألة فقال اجعلني مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فأوحى الله تعالى إليه إني ابتليت إبراهيم بالنار فصبر وابتليت إسحاق بالذبح فصبر وابتليت يعقوب فصبر» وبما أخرجه الدارقطني.
والديلمي في مسند الفردوس من طريقه عن محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب عن الحسين بن فهم عن خلف بن سالم عن بهز بن أسد عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الذبيح إسحاق» وبما أخرجه الطبراني في الأوسط.
وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي أو شفاعتي فاخترت شفاعتي ورجوت أن تكون أعم لأمتي ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لعجلت دعوتي إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له: يا إسحاق سل تعطه قال: أما والله لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان اللهم من مات لا يشرك بك شيئًا قد أحسن فاغفر له» وتعقب هذا بأن عبد الرحمن ضعيف، وقال ابن كثير الحديث غريب منكر وأخشى أن يكون فيه زيادة مدرجة وهي قوله: إن الله تعالى لما فرج الله الخ وإن كان محفوظًا فالأشبه أن السياق عن إسماعيل وحرفوه بإسحاق إلى غير ذلك من الأخبار وفيها من الموقوف والضعيف والموضوع كثير، ومتى صح حديث مرفوع في أنه إسحاق قبلناه ووضعناه على العين والرأس.
والذاهبون إلى هذا القول يدعون صحة شيء منها في ذلك.
وأجيب عن بعض ما استدل به للأول بأن وقوع القصة بمكة غير مسلم بل كان ذلك بالشام وتعليق القرنين في الكعبة لا يدل على وقوعها بمكة لجواز أنهما نقلا من بلاد الشام إلى مكة فعلقا فيها، وعلى تسليم الوقوع بمكة لا مانع من أن يكون إبراهيم قد سار به من الشام إليها بل قد روي القول به، أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سعيد بن جبير قال: لما رأى إبراهيم في المنام ذبح إسحاق سار به من منزله إلى المنحر بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة فلما صرف عنه الذبح وأمر بذبح الكبش ذبحه ثم راح به رواحًا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأودية والجبال، وأمر الفخر لو سلم ليس بالاستدلال به كثير فخر، والخبر الذي فيه يا ابن الذبيحين غريب وفي إسناده من لا يعرف حاله وفيه ما هو ظاهر الدلالة على عدم صحته من قوله فلما فرغ أسهم بينهم فكانوا عشرة فخرج السهم على عبد الله فإن عبد الله بإجماع أهل الإخبار لم يكن مولودًا عند حفر زمزم، وقصة نذر عبد المطلب ذبح أحد أولاده تروى بوجه آخر وهو أنه نذر الذبح إذا بلغ أولاده عشرًا فلما بلغوها بولادة عبد الله كان ما كان.
وما شاع من خبر أنا ابن الذبيحين قال العراقي: لم أقف عليه، والخبر السابق بعد ما عرف حاله لا يكفي لثبوته حديثًا فلا حاجة إلى تأويله بأنه أريد بالذبيحين فيه إسحاق وعبد الله بناءً على أن الأب قد يطلق على العم أو أريد بهما الذابحان وهما إبراهيم وعبد المطلب يحمل فعيل على معنى فاعل لا مفعول، وحمل هؤلاء {وبشرناه بإسحاق نَبِيًّا} [الصافات 112] على البشارة بنبوته وما تقدم على البشارة بأن يوجد قبل ولما كان التبشير هناك قبل الولادة والتسمية إنما تكون بعدها في الأغلب لم يسم هناك وسماه هنا لأنه بعد الولادة واستأنس للاتحاد بوصفه بكونه من الصالحين لأن مطلوبه كان ذلك فكأنه قيل له هذا الغلام الذي بشرت به أولًا هو ما طلبته بقولك: {رَبّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} [الصافات 100] وأنت تعلم أن حمله على البشارة بالنبوة خلاف الظاهر إذ كان الظاهر أن يقال لو أريد ذلك بشرناه بنبوته ونحوه.
وتقدير أن يوجد نبيًا لا يدفعه كما لا يخفى وكذا وصفه بالصلاح الذي طلبه فتأمل.
ومن العلماء من رأى قوة الأدلة من الطرفين ولم يترجح شيء منها عنده فتوقف في التعيين كالجلال السيوطي عليه الرحمة فإنه قال في آخر رسالته السابقة: كنت ملت إلى القول بأن الذبيح إسحاق في التفسير وأنا الآن متوقف عن ذلك، وقال بعضهم كما نقله الخفاجي: إن في الدلالة على كونه إسحاق أدلة كثيرة وعليه جملة أهل الكتاب ولم ينقل في الحديث ما يعارضه فلعله وقع مرتين مرة بالشام لإسحاق ومرة بمكة لإسماعيل عليهما السلام، والتوقف عندي خير من هذا القول، والذي أميل أنا إليه أنه إسماعيل عليه السلام بناءً على أن ظاهر الآية يقتضيه وأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضي خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوي الألباب.